فصل: مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بعض العلماء اللواقح بمعنى الملاقح أي التي تلقح غيرها من السحاب والشجر وعلى هذا ففيه وجهان:
أحدهما: أن المراد النسبة فقوله لواقح أي ذوات لقاح كما يقال سائف ورامح أي ذو سيف ورومح ومن هذا قول الشاعر:
وغررتني وزعمت أنك ** لابن في الحي تامر

أي ذو لبن وتمر، وعلى هذا فمعنى لواقح أي ذوات لقاح لأنها تلقح السحاب والشجر.
الوجه الثاني: أن لواقح بمعنى لاقح جمع ملقحة وملقح اسم فاعل ألقحت السحاب والشجر كما يلقح الفحل الأنثى وغاية ما في هذا القول إطلاق لواقح وإرادة ملاقح ونظيره قول ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد أو غيره:
لبيك يزيد ضارع لخصومة ** ومختبط مما تطيح الطوائح

فإن الرواية تطيح بضم التاء من أطاح الرباعي والمناسب لذلك المطيحات لا الطوائح ولكن الشاعر أطلق الطوائح وأراد المطيحات، كما قيل هنا بإطلاق اللواقح وإرادة الملاقح أي الملقحات باسم الفاعل ومعنى إلقاح الرياح السحاب والشجر أن الله يجعلها لهما كما يجعل الذكر للأنثى فكما أن الأنثى تحمل بسبب ضارب الفحل فكذلك السحاب يمتلىء ماء بسبب مري الرياح له والشجر ينفتق عن أكمامه وأوراقه بسبب إلقاح الريح له. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمه {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} أي تلقح السحاب فتدر ماء وتلقح الشجر فتنفتح عن أوراقها وأكمامها وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء فتلحق به السحاب فيدر كما تدر اللقحة ثم يمطر، وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء من السحاب فتمري به السحاب فيدر كما تدر اللقحة، وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، قال: تلقح الشجرة وتمري السحاب: وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن وأبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رجاء رضي الله عنه قال قلت للحسن رضي الله عنه: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} قال: لواقح للشجر، قلت: أو السحاب، قال: وللسحاب تمر به حتى يمطر.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} قال: تلقح الماء في السحاب، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} قال: الريح يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلىء ماء، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب، وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة، وابن مرديه والديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ريح الجنوب من الجنة» وهي الريح اللواقح التي ذكر الله في كتابه وفيها منافع للناس والشمال من النار تخرج فتمر بالجنة فيصيبها نفخة منها فبردها هذا من ذلك، وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور والجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح».
هذا حاصل معنى كلام العلماء في الرياح اللواقح وقد قدمنا قول من قال ن اللواقح هي حوامل المطر وأن ذلك القول يدل له قوله تعالى: {حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} [الأعراف: 57]. أي حملتها وقد قدمت في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون للشيء أوصاف فيذكر بعضها في موضع فإنا نبين بقية تلك الأوصاف المذكورة في مواضع آخر ومثلنا لذلك لذلك بظل أهل الجنة فإنه تعالى وصفه في سورة النساء بأنه ظليل في قوله: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًا ظَلِيلًا} [النساء: 57]، وقد وصفه بأوصاف آخر في مواضع أخر وقد بينا صفات ظل أهل الجنة المذكورة في غير ذلك الموضع كقوله: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} [الرعد: 35]، وقوله: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30]. إلى غير ذلك من أوصافه وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى وصف الرياح في هذه الآية بكونها لواقح وقد بينا معنى ذلك آنفًا ووصفها في مواضع أخر بأوصاف أخر من ذلك وصفه لها بأنها تبشر بالسحاب في قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46]، وقوله: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57]. على قراءة من قرأها بالباء ومن ذلك وصفه لها بإثارة السحاب كقوله: {الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَابًا} [الروم: 48]. الآية وقال صاحب الدر المنثور وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبيد بن عمير قال يبعث الله المثيرة فتقم الأرض قمًا ثم يبعث المبشرة فتثير السحاب فيجعله كسفًا ثم يبعث المؤلفة فتؤل بينه فيجعله ركامًا ثم يبعث اللواقح فتلحقه فيمطر. وأخرج ابن المنذر عن عبيد بن عمير قال: الأرواح أربعة ريح تقم ورريح تثير تجعله كسفًا وريح تجعله ركامًا وريح تمطر. اهـ.

.مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة:

المسألة الأولى:
أخذ مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة أن لقاح القمح أن يحبب وينسبل. قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك واللفظ لأشهب. قال مالك: قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} فلقاح القمح عند أن يحبب وينسبل ولا أدري ما ييبس في أكمامه ولكن يحبب حتى يكون لو يبس لم يكن فسادًا لا خير فيه ولقاح الشج كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت منها ما يثبت وليس ذلك بأن تورد. قال ابن العربي: إنما عول مالك في هذا التففسير على تشبيه لقاح الشجر بلقاح الحمل وأن الولد إذا عقد وخلق ونفخ فيه الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله لأنه سمي باسم تشترك فيه كل حاملة وعليه جاء الحديث: «نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد» اهـ من القرطبي.
قال مقيد عفا الله عنه: استنباط الإمام مالك المذكور من هذه الآية، لأن لقاح القمح أن يحبب ويسنبل، واستدلال ابن العربي له بالحديث المذكور ليس بظاهر عندي كل الظهور.
المسألة الثانية:
اعلم أن تلقيح الثمار هو أبارها، وهو أن يؤخذ شيء من طلع ذكور النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث، ومعنى ذلك في سائر الثمار طلع الثمرة من التيس وغيره حتى تكون الثمرة مرئية منظورًا إليها، والمعتبر عند مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير، وفيما لا يذكر أن يثبت من نواره ما يثبت ويسقط ما يسقط، وحد تلك في الزرع ظهوره من الأرض، قاله مالك، وقد روي عنه أن إباره أن يحبب اهـ، قاله القرطبي، وقال أيضًا: لم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشق طلع إناثه فأخر إباره وقد أبر غيه مما حاله مثل حاله أن حكمة حكم ما أبر، فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعًا له، كما أن الحائط إذا بدا صلاح بعضه كان سائر الحائط تبعًا لذلك الصلاح في جواز بيعهاهـ، وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح.
المسألة الثالثة:
إذا بيع حائط نخل بعد أن أبر فثمرته للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، فإن اشترطها المبتاع فهي له، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من ابتاع نخلًا بعد أن تؤبلا فثمرتها للبائع الذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع» متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. فإن بيعت النخل قبل التأبير فلاثمرة للمشتري، واختلف في استثناء البائع لها، فمشهور مذهب مالك أنها كالجنين لا يجوز للبائع اشتراطها ولا ستثناؤها بناء على أن المستثني مشتري خلافًا لتصحيح اللخمي جواز استثناء البائع لها بناء على أن المستثنى مبقى وجواز استثنائها هو مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله تعالى.
قال مقيده عفا الله عنه: وهو أظهر عندي لأن كون المستثني مبقي أظهر من كونه مشتري لأنه كان مملوكًا لبائع، ولم يزل على ملكه لأن البيع لم يتناوله لاستثنائه من جملة المبيع كما ترى، وهذا الذي ذكرنا في هذه المسألة هو الحق إن شاء الله تعالى، فما أبر فهو للبائع إلا بشرط، وما لم يؤبر فهو للمشتري إلا بشرط خلافًا لابن أبي ليلى القائل: هي للمشتري في الحالين لأنها متصلة بالأصل اتصال خلقه فكانت تابعة له كالأغصان، وهذا الاستدلال فاسد الاعتبار لمخالفته لحديث ابن عمر المتفق عليه المذكور آنفًا، فقد صرح فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم بأن البيع إن كان وقع بعد التأبير فالثمرة للبائع، وخلافًا للإمام ابي حنيفة والأوزاعي رحمهما الله تعالى في قولهما: إنها للبائع في الحالين، والحديث المذكور يرد عليهما بدليل خطابه أعني مفهموم مخالفته لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «من ابتاع نخلًا قد أبرت» الحديث يفهم منه أنها إن كانت غير مؤبرة فليس الحكم كذلك وإلا كان قوله «قد أبرت» وقوله «بعد أن تؤبر» في بعض الروايات لغوًا لا فائدة فيه فيتعين أن ذكر وصف التأبير ليحترز به عن غيره، ومعلوم أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله لا يقول بحجته مفهوم المخالفة، فالجاري على أصوله أن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور نص على حكم الثمرة المؤبرة وسكت عن غير المؤبرة فلم يتعرض لها أصلًا، وإن أبر بعض الثمرة التي بيعت أصولها وبعضها الآخر لم يؤبر فمذهب مالك أنه إن كان أحدهما أكثر فالأقل تابع له، وإن استويا فلكل حكمه، فالمؤبر للبائع وغيره للمشتري، ومذهب الإمام أحمد أن لكل واحد من المؤبر وغيره حكمه، وأبو حنيفة لا فرق عنده بين المؤبر وغيره فلاجميع عنده للبائع إلا إذا اشترطه المبتاع، ومذهب الشافعي رحمه الله الصحيح من الخلاف أن ما لم يؤبر تبع للمؤبر فيبقى الجميع للبائع دفعًا لضرر اختلاف الأيدي، واعلم أن استثناء بعض الثمرة دون بعض يجوز في قوله جمهور العلماء وفاقًا لأشهب من أصحاب مالك وخالف ابن القاسم فقال: لا يجوز استثناء بعض المؤبرة، وحجة الجمهور أن ما جاز استثناء جميعه جاز استثناء بعضه، وحجة ابن القاسم أن النص إنما ورد في اشتراط الجميع.
واعلم أن أكثر العلماء على أن الثمرة المؤبرة التي هي للبائع 'ن لم يستثنها المشتري فإنها تبقى إلى وقت الانتفاع المعتاد بها ولا يكلفه المشتري بقطعها في الحال، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد.
وخالف في ذلك أبو حنيفة قائلًا: يلزم قطعها في الحال وتفريغ النخل بأن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة كما لو باع دارًا فيها طعام لم يجب نقله على حسب العادة في ذلك وهو أن ينقله نهارًا شيئًا بعد شيء ولا يلزمه النقل ليلًا ولا جمع دواب البلد لنقله، كذلك ها هنا يفرغ النخل من الثمرة في أوان وهو وقت الجذاذ، قاله ابن قدامة في المغني.
المسألة الرابعة:
لو اشتريت النخل وبقيت الثمرة للبائع فهل لشتري الأصل أن يشتري الثمرة قبل بدو صلاحها؟
أولًا: اختلف العلماء في ذلك، فمشهور مذهب مالك جواز ذلك لأن لها عنده حكم التبعية وإن أفردت بالعقد، وعنه في رواية أخرى: لا يجوز ذلك، وللشافعية والحنابلة وجهان بالمنع والجواز. قال ابن قدامة في المغني، ونسب القرطبي للشافعي وأبي حنيفة والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث القول بمنع ذلك ثم قال: وهو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.
المسألة الخامسة:
إذا اشتريت الثمرة وحدها دون الأصل قبل بدو صلاحها فلها ثلاث حالات:
الأولى: أن يبيعها بشرط التبقية إلى وقت الجذاذ، وفي هذه الحالة لا يصح البيع إجماعًا.
الثانية: أن يبيعها بشرط قطعها في الحال، وفي هذه الحالة يصح البيع إجماعًا.
الثالثة: أن يبيعها من غير شرط تبقية ولا قطع بل سكتا عن ذلك وعقدا البيع مطالقًا دون شرط، وفي هذه الحالة لا يصح البيع عند جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، وأجاز أبو حنيفة رحمه الله البيع في هذه الحالة وأوجب قطع الثمرة حالًا، قال: لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فهو كما لو اشترطه، وحجة الجمهور إطلاق النصوص الواردة بذلك عنه صلى الله عليه وسلم. من ذلك ما أخرجه الشيخان والإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع، وفي لفظ نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة رواه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن أنس رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ثماء حتى تزهى، قيل وما زهوّها؟ قال تحمار وتصفار» ومن ذلك ايضًا ما رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها» ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه عن أنس رضي الله عنه «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد».
فإطلاقات هذه النصوص ونحوها تدل على منع بيع الثمرة قبل بدو صلاحها في حالة الإطلاق وعدم الاشتراط كما تقدم.
وقرأ هذه الآية الكريمة جماهير القراء {وَأَرْسَلْنَا الرياح} بصفة الجمع وقرأها حمزة {وَأَرْسَلْنَا الرياح} بالإفراد والألف واللام على قراءة حمزة للجنس ولذلك صح الجمع في قوله: {لواقح} قال أبو حيان في البحر المحيط ومن قرأ بإفراد الريح فعلى تأويل الجنس كما قالوا أهلك الناس الدينا الصفر والدرهم البيض اهـ، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {فَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوه}.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة عظيم منته بإنزال الماء من السماء وجعله إياه عذباَ صالحًا للسقيا وبين ذلك أيضًا في مواضع أخر كقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ الماء الذي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68-70]، وقوله: {هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَاءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات} [النحل: 10-11]، وقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً طَهُورًا لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان: 48-49]. إلى غير ذلك من الآيات.
والتحقيق أن أسقى وسقي لغتان معناهما واحد كاسرى وسرى والدليل على ذلك القراءتان السبعيتان في قوله: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66]. فإنه قرأه بعض السبعة بضم النون من أسقى الرباعي وقرأه بعضهم بفتحها من سقى الثلاثي ويدل على ذلك أيضًا قول للبيد:
سقى قومي بني مجد وأسقى ** نميرا والقبائل من هلال

قوله تعالى: {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}.
فيه للعلماء وجهان من التفسير كلاهما يشهد له قرآن الأول: أن معنى {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} أي ليست خزائنه عندكم بل نحن الخازنون له ننزله مى شئنا وهذا الوجه تدل عليه آيات كقوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21]، وقوله: {وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض} [المنافقون: 7]. الآية وتحو ذلك من الآيات، والوجه الثاني: أن معنى {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} بعد أن أنزلناه عليكم لا تقدرون على حفظه في الآبار والعيون والغدران بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18]، وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ} [الملك: 30]، وقوله: {أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} [الكهف: 41]، وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرض} [الزمر: 21]. الآية إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.